مفاوضات الترسيم معلّقة..ما المطلوب من لبنان لحماية حقوقه؟

خاص العهد /فاطمة سلامة 

بعد توقف دام لأشهر عدة، استأنف لبنان مفاوضات الترسيم غير المباشرة مع كيان العدو. الأخير يصر على سرقة حقوق لبنان ضارباً عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية. تسانده في ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي لطالما قدّمت عروضاً جاهزة ومعلبّة للبنان مفصّلة على قياس “إسرائيل”. رئيس الوفد الأميركي طلب أن يكون التفاوض محصوراً فقط بين الخط اللبناني و”الإسرائيلي” المودعين لدى الأمم المتحدة أي ضمن مساحة الـ860 كلم2، بينما المنطقة المتنازع عليها حقيقة هي 2290 كلم2. وقد عُلّقت المفاوضات الى أجل غير مسمى. وعليه، ما المطلوب من لبنان فعله لحماية حقوقه وسط تعنت “الإسرائيلي” ومعه الأميركي؟ وماذا يخسر لبنان اقتصادياً ومالياً في حال لم يحصل على كامل حقوقه البحرية؟.

لبنان ينتطر الولايات المتحدة الأميركية لتقدّم حلاً جديداً
 
مصادر مطّلعة على أجواء المفاوضات تلفت في حديث لموقع “العهد” الإخباري الى أنّ لبنان ينتطر الولايات المتحدة الأميركية لتقدّم حلاً جديداً. برأيها، فإنّ بيان رئاسة الجمهورية واضح في هذا الإطار لجهة عدم عودة لبنان الى طاولة المفاوضات بشروط مسبقة كأن يتم حصره بمساحة 860 كلم2. وعليه، ننتظر الأميركي لإيجاد حل -تقول المصادر- التي تلفت الى أنّ الطرف الآخر حاول خلال المفاوضات “حشر” الجانب اللبناني في مساحة الـ860 كلم2، وهذا ما يستحيل أن نقبل به. 

ورداً على سؤال، ترى المصادر أن لا حل أمام لبنان في حال تعنتت الولايات المتحدة وكيان العدو سوى تعديل المرسوم 6433 وإيداعه بالأمم المتحدة. وفق المصادر، لم يتم توقيع المرسوم سابقاً لإعطاء فرصة لإيجاد حلول ولكن الأمور مقفلة وحتى اللحظة لا خيارات ولا عودة الى المفاوضات قبل أن تجد واشنطن باباً للعودة دون شروط مسبقة.  
 
ناصر الدين: أهمية كبيرة لربط المسار البري بالبحري
 
لدى سؤال الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين عن أهمية تعديل المرسوم 6433 من الناحية الاقتصادية والمالية، يستهل حديثه بالإشارة الى أنه عندما بدأ لبنان بمفاوضات ترسيم الحدود كان هناك اتفاق للإطار الذي تكمن أهميته في ربط المسار البري بالبحري. هذا الربط يأخذنا الى حماية البر وتثبيت حدودنا مع البحر. ويسترجع ناصرالدين قضية الترسيم تاريخياً فيشير الى أنّ أول ترسيم تحدثت عنه معاهدة “بوليه–نيوكومب” كان عام 1923. في تلك الفترة كان يقال إن “بوليه نيوكمب” ستأخذ آخر نقطة موجودة على الحدود وسط لغط ساد بين الناس الذين اعتبروا أن آخر نقطة هي b1 بينما آخر نقطة هي ما دون الـb1 في نقطة صخرية على البحر.

ووفق المتحدّث فإن هذه المعاهدة تذهب باتجاه ترسيم أفقي قد يأخذنا في حال حصل الى ما هو أبعد من النقطة 29  لنواجه منطقة سكنية موجودة في حيفا. بعدها، أتت معاهدة البحار لتصحيح المشاكل الموجودة بالحدود البحرية، وبدلا من الترسيم أفقياً يتم تنفيذ الترسيم عمودياً للوصول الى النقطة التي نريدها. 

 مفاوضات الترسيم معلّقة..ما المطلوب من لبنان لحماية حقوقه؟

يبدأ ناصرالدين من أهمية ربط المسار البري بالبحري ليقول إنّ عدم الربط يجعلنا مضطرين لأخذ نقطة بالبحر والانطلاق منها لترسيم الحدود ما يثبّت للعدو دون أن نشعر الخط رقم 1، ولهذا السبب تبدو أهمية الإطار بالمسار البري والبحري. 

دراسة الجيش أكّدت حق لبنان بحقل آلوندي وجزء مهم من حقل كاريش 

وهنا يلفت ناصر الدين الى أنّ قيادة الجيش  سبق أن أجرت دراسة هندسية مهمة جداً مبنية على وقائع علمية. وفقاً لهذه الدراسة يحصل لبنان على حقل آلوندي الرقعة 72 بشكل كامل، وفي الوقت نفسه يحصل على جزء مهم من حقل كاريش وعندما نتحدث عن هذا الحقل فإننا نتحدث عن 3.5 تريليون قدم مكعب من الغاز، ناهيك عن أنّ بداخل هذا الحقل اكتشافات تجارية مهمة فيما يعلّق العدو “الاسرائيلي” الآمال على هذا الحقل. 

التفاوض يجب أن يكون مرفقاً بسند قانوني قوي وغطاء سياسي كامل وشامل

ويشدّد ناصرالدين على أنّ مكسبنا الاقتصادي والمالي من النفط كبير جداً، ولكن الموضوع يستوجب وحدة سياسية وسنداً قانونياً يؤثر على الوقائع اللبنانية، كما يتطلب القدرة على حماية هذا الخط وإبعاده عن التداول الإعلامي. وهنا يرى ناصر الدين أنّ إرسال الجيش للتفاوض يجب أن يكون مرفقاً بسند قانوني قوي وغطاء سياسي كامل وشامل. برأي ناصر الدين يجب أن تكون جميع الآراء السياسية في لبنان موحدة ضد العدو “الاسرائيلي”، وفي الوقت نفسه لا يجب استخدام هذا الملف لمكاسب سياسية في الداخل. يجب أن يكون هناك مرسوم موجود بالأمم المتحدة للبناء عليه. وهنا يخشى ناصر الدين أن ينسحب الوفد العسكري من المفاوضات لأننا عندما نرسل الجيش للتفاوض دون غطاء سياسي ودون التوقيع على تعديل المرسوم فهذا يعني أننا أرسلنا الجيش الى المعركة دون سلاح.  

وفي المقابل يعتبر ناصر الدين أنّ تشكيل كونسرتيوم شركات وبناء صندوق للمنطقة المعتدى عليها من قبل العدو وتقاسم الصندوق مرفوض أيضاً لأنه تطبيع غير مباشر، والمقاومة بطبيعة الحال لا تقبل بتطبيع اقتصادي غير مباشر. 

ويلفت ناصر الدين الى أنّ طرح فكرة تشكيل وفد سياسي غير مقبولة على الإطلاق لا من الناس ولا المقاومة ولا أي طرف داخلي بلبنان نظراً للخطورة التي تعتريها. ويشدّد على أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي طرف ضد لبنان في المفاوضات مع العدو “الاسرائيلي”، وعليه يجب أن ننتبه كثيرا لأننا عندما نفاوض فإننا نفاوض طرفين ضد لبنان. لذلك لا يجب المناورة في السياسة بل علينا تمتين الموقف عبر التوقيع على المرسوم 6433، والا عدنا الى نقطة الصفر ما يعني عدم وجود خطوط، وعليه سيعمل العدو ومن ورائه واشنطن لإعادتنا الى الخط رقم 1 المرفوض تماما أي إعادتنا الى الخط الذي أوجده عملاء أميركا في لبنان عام 2007 حيث تخلوا عن هذه المنطقة لمصلحة العدو “الاسرائيلي”. 

طاولة الناقورة ترسم المسار الاقتصادي للبنان في الفترة القادمة

ومن الناحية الاقتصادية، يقول ناصر الدين :”ثمة أربع طاولات تفاوض في المنطقة: الطاولة المنعقدة في فيينا بين مجموعة 5+1 وإيران، طاولة مسقط بين السعودية واليمن، طاولة بغداد بين السعودية وإيران، وطاولة الناقورة التي تكمن أهميتها في أنها ترسم المسار الاقتصادي للبنان في الفترة القادمة”. وفق ناصر الدين، يكسب لبنان الكثير من ملف النفط والغاز الذي لا يزال عالقاً منذ 13 عاماً. لهذا الملف آثار معنوية ومادية، حيث يعيد هذا الملف الثقة للاقتصاد اللبناني فالبلوك رقم 9 هو بلوك غني بالغاز والنفط والبلوك الأغنى هو البلوك رقم 8. بحسب تقديرات ناصر الدين، نمتلك في هذين البلوكين ما يقارب الـ100 مليار دولار. 

ويعتبر ناصر الدين أنّ “إمكاناتنا للحصول على الخط 23 كبيرة جداً، فالولايات المتحدة تعترف بوجود الخطين 1 و23 زاعمةً أنها تريد أن توجد حلا بين الخطين وهذا الأمر مرفوض -يقول ناصر الدين- فحدودنا عند خط الـ 23 مودعة في الأمم المتحدة، واذا أردنا أن نتحدث علميا وقانونياً فإن الخط الموجود في الأمم المتحدة هو الحق الذي نطالب به، لكن يجب أن يتم تعديل المرسوم للحصول على الخط 29، ما يحتّم على الدولة اللبنانية أن تقول هذه حدودنا وتدعمها بسند قانوني. وفي هذا الإطار، يستشهد ناصر الدين بكلام للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قال فيه إن الحدود التي تعترف بها الدولة نعتبرها حدوداً وذلك اثر مطالبات البعض حزب الله ترسيم الحدود. وهنا يشدد ناصر الدين على أن المقاومة لا ترسم الحدود بل تحميها. 

كونسرتيوم الشركات ضد مصلحة لبنان 

وفي الختام، يجدّد ناصر الدين تأكيده أنّ المكسب الاقتصادي بالنفط كبير جداً، ولكن علينا الانتباه الى أن كونسرتيوم الشركات الذي تأسس في لبنان كان ضد مصلحة لبنان، معتبراً أنه يؤخر مشروع النفط والغاز، فلو انطلق العمل في البلوك رقم 9 لما كان وضع لبنان الاقتصادي بهذا المنحى. الشركات الموجودة للأسف ليست لمصلحة لبنان، وعليه على شركة “توتال” التسريع بعملها وإصدار نتيجة البلوك رقم 4 حفاظاً على مصلحة لبنان. وفق ناصر الدين، لو كان لكل من شركة “اني” و”توتال” بلوك لكان أهم بكثير لأنّ المنافسة مهمة جداً ما ينعكس على الواقع الاقتصادي ويفتح فرص عمل النفط والتي هي أهم من استخراج النفط والغاز.