محمود فردون:
كفجر صبح يتهامس مع كل اشراقة شمس, كطيف إلهام غاص بحور الحب, كوداعة الورود حين تتبلل بقطرات الندى, تحار من أين الوصف, وبما الوصف, بشجرة الزيتون التي أحب أم برائحة الأرض التي عشق.. هو كآية من آيات الرحمن أوجد في قلب من أحبوه المعجزات, كترنيمة صلاة ترك السكينة في أماكنه التي بدت بعد فراقه ترتل أناشيد الفراغ..
هو محمود فردون المولود في 1-1-1981 في بلدة العباسية. شاب عرف بطفولة أشبه ما تكون بالسكينة لا ضجيج فيها الا حينما يحين وقت لعبة كرة القدم.
له أختان وثلاث صبيان كان مقرب لهم جميعا, فوالده غرس فيهم رابط العائلة الى درجة كبيرة, كان محمود يدلل أخويه الصغار يلعب معهم ويهيأ لهم كل أجواء المرح, وهدوءه المعهود لم يمنع أن يخلق في نفسه حس الفكاهة, وانسانا محبا للمرح.
لم يجد والديه صعوبة في تربيته ولم يواجهوا المشاكل معه يوما حتى في سن المراهقة لأنه يحرص دائما على طاعتهما وكسب رضاهما. كل حياته كانت متمثلة بمدرسة اكتفى منها عند الصف الرابع ابتدائي, وعائلة محبة, وعمل أصر به في أن يتحمل مسؤولية نفسه فيصرف على احتياجاته ويخفف العبأ عن والده.
تربى على أسمى القيم وأفضلها من الأخلاق الحميدة التي ميزت شخصيته, والالتزام والتدين والعفة والطيبة حتى الايمان, وهذا ما يشهد به كل من عرفه من أهالي الضيعة أقرباءه وأصدقاءه.
التزم بكشافة المهدي (عج) بسن مبكرة وكان التزامه فائقا للحدود, ملتزما بكل الإجتماعات, حاضرا في كل الدورات يقدم أفكارا جديدة تساعد على رفع قيمة الانتساب للكشاف كما يشجع الأولاد والناشئين في الإلتزام أيضا. كما وساعده هذا الأمر على ترسيخ القيم الدينية في شخصيته فصام وصلى قبل أن يتكلف التكليف الشرعي, فترسخ في نفسه الحب الالهي وغدا يتوق الى لقياه في الجامع كلما سمع آذان الدعاء للصلاة , وها هو الجامع أحد الأماكن التي تفتقده اليوم وعزاؤه الفرقة التي شكلها محمود في الكشاف من أجل الحضور الدائم لبيت الله.
أما عاشوراء فخلقت به حبا حسيني يشع نوره في عينيه كلما كانت الحاجة, لعزم الرجال في التحضير لمجالس العزاء يكون هو الحاضر الأول.
أما المقامات المقدسة في سوريا يستغل أي فرصة تقف أمامه. وكان يتمنى دائما أن يزور ايران ليكون ضيفا لدى الامام الرضا (ع) الا أن ظروفه لم تسمح بذلك.
يتميز محمود بصداقات عديدة ومن كافة الأعمار, بعضهم من كان يتقرب منه وبعضهم من يتقرب منهم, فحصد حياة اجتماعية مليئة بالأصدقاء الذين كان يعتز بهم ولا يتأخرعن التواجد بقربهم اذا احتاجوه.
جدته أكثر الأشخاص التي أحب, يقصد جلساتها باستمرار حتى ما اذا كان وقت توديعها يشعر بالحزن لكن الأمل بلقائها في يوم آخر يعيد اليه الفرح.
أيام الزيتون أجمل الأيام, فهي تعيده الى الأرض, والى الجذور, الى بساطة الحياة بعيدا عن كل التعقيدات. يساعد في قطف الزيتون مهما كانت حالة الطقس وما افتقده أهله من تلك الأيام جو المرح الذي كان يضفيه فيزيل به مشقة التعب والارهاق.
قدر محمود قيمة الحياة ووزن هذه القيمة في ميزان النعمة, عاشها كما يجب ورحل عنها برضى الله وقضائه وقدره..
استمتع بكل الرحلات التي تارة هو من يخطط لها وتارة أخرى أصدقاءه بالكشاف أو خارجه وأكثر ما تكون الوجهة الى النهر أو البحر المهم لديه ان يمارس هوايته الثانية بعد كرة القدم وهي السباحة.
أما عشقه لكرة القدم فهي قصة حياته وموته, فلو كانت هذه الأخيرة في أقصى بقاع الدنيا واستطاع لذهب, تناديه أينما حلت تنصبه مدربا على فرقة من الكشاف ايضا أعدها بنفسه ليطور مهارتهم في اللعب..
حتى تاريخ 27-7- 2004 حيث استجاب لأحد الدعوات, فذهب على دراجته النارية التي كان اشتراها لتقضي حاجته في العمل واصطدم بشاحنة وهو في طريقه لقي حدفه على الفور أثر ذاك الحادث.
كان الخبر صادما على مسمع البلدة خاصة أخته الكبرى التي رأته أكثر الأيام اشراقا ولطفا وابتساما, عساه كان يريد ان يترك لهم فيضا من روحه التي جعلت لحياتهم طعما آخر ولونا آخر..
ما خلقت به الأحلام حتى تموت اكتفى ب 23 عاما من هذه الدنيا حتى رحل شابا فقيدا عزيزا وغاليا وارتمى في حضن الأرض التي أحب أيامها دون أن يختار المكان ولا الزمان……