المصدر : جريدة النهار
لم تكن “الشابة” كريستال أنطون لتتوقع يوماً أنها ستختبر خسارة الموت بهذه القسوة، و4 مرات مع أفراد عائلتها. لا يفصل بين الفاجعة والأخرى سوى أسبوعين.
هذا الوباء الذي يستمر بالكشف عن أنيابه ويشنّ معاركه يميناً ويساراً، خطف قلوباً كثيرة، وأبكى حتى أمس 3961 عائلة لبنانية.
وبين هذه الخسارات المتتالية، ضوء صغير لمع في الأفق اليوم بعد بدء حملة التطعيم في لبنان.
نحتاج أن نتمسك بالأمل، وأن نتخلص من وزر السواد الذي يُحطينا منذ سنة.
قصص كثيرة كتبناها عن أرواح قاومت، إلا أن الفيروس غلبها في نهاية المطاف. غريبة هذه الحياة والأكثر غرابة هو #كورونا وردة فعل الجسم معه، فينجو واحد، فيما يموت الآخر من دون أن نفهم حقيقة: لماذا هذه النهايات عند البعض؟
أسئلة كثيرة نحاول فهمها، ما زال بعضها من دون أجوبة، حتى العلم يحتاج بعد إلى أبحاث وتجارب ليدرك هذه الحقائق العلمية المتعلقة به.
لدى كريستال أيضاً أسئلتها وفرضياتها التي تطرحها، هي التي اختبرت فراق الموت مع شقيقها وخالها وجدتيّها، وجدت نفسها في دوامة غامضة وظالمة. في حديثها الكثير من “هل” و”لو”، تتمنى أن تجد أجوبة تُشفي غليلها، فهي في حزن وصدمة.
تروي لـ”النهار” تفاصيل ما جرى ما شقيقها أولاً، وتقول: “أُصيب بالفيروس وكانت أعراضه قوية، وفي اليوم السادس توّجه إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت للكشف على حالته، إلا أنهم رفضوا إدخاله لأنه لا يعاني من هبوط في نسبة الأوكسجين، وكان يعاني من حرارة مرتفعة وسعال قوي. وصف له الطبيب دواء الكورتيزون كعلاج منزلي، ولكن حالته كانت تسوء ولم تقبل أي مستشفى استقباله بسبب عدم وجود أسرة فارغة. ونجحنا بعد اتصالات في ادخاله إلى مستشفى المشرق لكن حالته زادت سوءاً وكانت رئتاه متضررتين بنسبة 90%. ونتيجة تدهور حالته، وبما أن مستشفى المشرق لم يكن قد جهز غرفاً للعناية الفائقة في كانون الأول، طلبوا منا نقله إلى مستشفى آخر، فرفض مستشفيان استقباله، علماً أنهما استقبلا حالات أخرى بعد حالة شقيقي. وهذا يدفعني إلى التساؤل عن سبب هذا الرفض، هل كان ميؤوساً من حالة شقيقي أم فعلاً لم يكن هناك من أسرة فارغة عندهم؟”.
نجحت العائلة في إيجاد سرير في مستشفى جبل لبنان، إلا أن حالة شقيقها بدأت تسوء، وقد اضطر الأطباء إلى وضعه على جهاز التنفسي الإصطناعي لمدة أسبوعين قبل أن يُصاب ببكتيريا حيث عجز جسمه عن مقاومتها فتوقف قلبه في 30 كانون الثاني.
هذا بالنسبة إلى شقيقها، أما بالعودة إلى بداية القصة، تشرح كريستال أن “عائلة والدتي أصيبت بالكورونا وعددهم 20 نتيجة عدوى من أحد العمال الذي جاء إلى منزل العائلة لتصليح التلفزيون. وعلى ما يبدو إلتقط أحدهم العدوى ونقلها إلى 20 شخصاً من العائلة. لم تصمد جدتي البالغة من العمر 73 كثيراً، كانت صحتها “على قدّا” حيث توفيت في 23 كانون الثاني، في حين تغلّب جدي البالغ من العمر 88 على كورونا بعد دخوله إلى مستشفى بلفو الطبي.”
وأضافت: “أصيب خالي ريشار واكيم بالفيروس، وكان يخدم والديه ويهتم بهما لأنه أعزب ويعيش معهما. وعندما دخل إلى مستشفى بلفو للعلاج، كان جدي معه في الغرفة. وضع خالي كان سيئاً وحالته خطرة. ومع ذلك، كان يهتم بوالده نتيجة إهمال المستشفى له، فكان يهتم بإطعامه وادخاله إلى الحمام بنفسه. وبرغم من تعبه وحالته الحرجة إلا أنه لم يتوقف عن الاهتمام بوالده، إلى حين ارسال تسجيل صوتي يطلب فيه التدخل ونقله لأنه “عم يختنق وما حدا عم يجي”.
ونتيجة التسجيل الصوتي، تؤكد كريستال أننا “فعلنا المستحيل لنقله، وعانيت بعملية نقله ووصل إلى مستشفى جبل لبنان شبه ميت. كانت دقات قلبه 170 وحرارته مرتفعة جداً ونسبة الأوكسجين 70، إلا أنه بفضل جهود الأطباء نجحوا في إبقاء خالي على قيد الحياة شهراً قبل أن يفارق الحياة…”.
أما بالنسبة إلى جدتي (والدة أبي) البالغة من العمر 88 عاماً، فقد إلتقطت العدوى من عاملة المنزل لديها التي بدأت تظهر عليها الأعراض
ومن ثم جاء دور جدتي. وبعدما باءت محاولات إدخالها إلى مستشفيين، وافقت مستشفى بلفو على استقبالها وبقيت 3 أيام في الطوارىء إلى حين تأمين غرفة لها لكنها توفيت. ووفق كريستال، يقول معنيون في المستشفى: “كيف ندخل مريضاً آخر من العائلة إليه إذا كنا لا نثق بهم”. علماً أن هذه “الحجة” ليست مبررة، و”لم يكن عمي يعرف ما جرى مع خالي، والأهم أن جدتي توفيت بعد 3 أيام على ادخالها إلى هناك”.
لدى كريستال صرختها، فبرأيها أنه “حتى بالصحة بدك واسطة لتفوتي ع مستشفى”… لقد كلّفنا فتح البلد قبل الأعياد كثيرا و”خرب بيوتنا”.
لذلك تحمّل الدولة مسؤولية هذا الفلتان، كما “أحمّل المواطنين هذه المسؤولية المجتمعية المشتركة”. أما بالنسبة إلى القطاع الاستشفائي، “للأسف هناك تجارة في المستشفيات “بتاجرو بالعالم وبدك واسطة لتفوتي”. نحن أمام حياة وموت، و”لا يمكن أن تترك الرفاهية لمن لديه واسطة ومعارف والله عيب يلي عم بصير”.