٠٠يدخل منبر أضواء الكاتب و الشاعر اسماعيل فقيه و بوضوح يؤكد أهمية هذا المطرب اللبناني الكبير و صوته المميز الذي لا يحمله لبنان و وسطه الفني الهابط.
عبدو ياغي موهبة صوتية غنائية من الطراز الكبير تعتز بها الشعوب و الدول لو كان في لبنان دولة أحسنت رعاية الفن و الثروات البشرية في فنون المسموع و الغناء و الطرب، و لكن للأسف انحرف الفن في لبنان حتى سادت نجومية من لا صوت لهم و غاب عنها كبار مثل عبدو ياغي.
عبدو ياغي نجم ساطع يحجبه الفقر الفني في لبنان و هو صديق عزيز لي و اعتبره من ذوات الأصوات الجميلة الكبيرة التي لم تاخذ حقها الا من الناس و هكذا اصوات وجبت رعايتها من مرجعيات الثقافة العليا في اي بلد من البلدان و لا سيما لبنان الذى فقد بوصلة الأصوات الكبيرة ليتجه إلى حكم تجار الفن الذين اتخذوا معايير الشكل عنواناً لأعمالهم تاركين المضمون الفني لإهواء المتحكمين بالانتاج الموسيقي و الذين يهمشون الكبار لتخفيف الكلفة الانتاجية و يرتكبون عملاً إجرامياً بحق الثقافة و نوعية الفن الراقي.
و إذا قمنا بمقارنة صوتية لقلت أن صوت عبدو ياغي، بدراميته و قوته لا يقل عن صوت وديع الصافي انما في سياق آخر.
صوت وديع الصافي يتصف، كما سبق و قلنا، بأنه “غنائي-درامي” أي ملوَّن lyrico-dramatic أو coloree بينما صوت عبدو ياغي هو “درامي” و يتقن اللحن و سبك النغمات مما يجعله أكثر تأثيراً بهذه الصفة.
صوت وديع الصافي هو المقياس الأعلى نظراً لتعددية مزاياه بتفوق على كل الاصوات إلا بخامته الجميلة لا يحل محل صوت عبدو ياغي في القدود الحلبية و المواويل التي تتطلب الدرامية و القوة الصوتية.
و لا ننسى أن المدرسة الصوتية الحلبية هي التي غيرت النمط الفني في مصر مع سيد درويش الذي تتلمذ على يد المطرب القدودي عثمان الموصلي في حلب، و صاحب المدرسة التي تمرس بها عبدو ياغي و اتقنها انما في وسط منحرف هزمه الفن الهابط في لبنان.
مما يعني أننا لو حظينا برعاية رسمية عالية للطرب في لبنان لكان صوت عبدو ياغي عنواناً لمدرسة غنائية عليا لم نشهد وجودها.
ندرج معايير الغناء الطربي المحترف كما يلي:
١-ألخامة
٢-الحجاب الحاحز
٣-القدرة التنفسية الزفيرية
٤-المد و القطع
٥-الدرامية
٦-القوي الصوتية
٧-التعبير و العرب الصوتية
٨-اللفظ و مخارج الحروف
٩-التزامن بين الإحساس و الغناء
١٠-نقل الشعور الذاتي إلى المستمع
هذه كلها يتقنها عبدو ياغي و نسأل لماذا لم يسطع نجمه كما سطع نجم صغار الفنانين على الأقل؟
و الجواب أن عبدو ياغي هو صاحب صوت كبير لا يمكن لصاحبه أن يملأ حاجاته التطويرية بل بحاجة إلى ما يلي:
١-وسط فني تنافسي
٢-رعاية رسمية
٣-وجود المدرسة التي ينتمي اليها
٤-كتابة الاعمال المناسبة لهذا الصوت
٥-تصنيف المدارس و الخامات الصوتية على المستوى الرسمي
هذه مفقودة في لبنان و اذا وجدت فيعجز لبنان في السابق و اليوم عن احتواء المدرسة الغنائية القدودية الحلبية.
مما يجعلنا نؤكد أن عبدو ياغي أعطى فنه في لبنان لمدرسة مفقودة فيه و المشكلة هي في هبوط الفن في لبنان و سطوع نجوم الفن التجاري الهابط و عجز الدولة و الوسط الفني عن رعاية الفنون و منها الموسيقى و الغناء و المواهب التي جاءت للعالم أجمع و ليس للبنان وحده، و عجز لبنان عن استيعابها.
عبدو ياغي هو نموذج عن الثروات البشرية الطبيعية للبنان التي استحقت وجود مدرسة جديرة بالتطوير عبر تطوير الدولة اللبنانية و مؤسساتها و معاييرها الفنية و الثقافية و الحضارية الكاملة.
عبدو ياغي جسر عبور للبنان لمستقبل يضمن فيه المواهب الكبيرة.
(بقلم البروفسور سليم سعد)