رفع الدعم تدريجيًا: الخبز بـ 2500 وقابل للإرتفاع ..والبنزين بـ 50 ألف قريبًا؟!

المصدر : نوال الأشقر

في “سيناريو جهنّمي” ينذر بكارثة اجتماعية، يتمّ التلاعب بأسعار ربطة الخبز والمحروقات. سعر ربطة الخبز زنة 930 غرام ارتفع للمرة الثانية في غضون شهر من 1500 إلى 2500، أي أكثر من 60%، علمًا أنّ مصرف لبنان لا يزال يدعم إستيراد القمح والطحين بالدولار من الخارج، كما يدعم مادة المازوت المستخدمة في الأفران. وزير الإقتصاد راوول نعمة علّل قراره بأنّه “جاء بناءً على دراسة علميّة لمؤشّر سعر ربطة الخبز”، ليس هذا فحسب، بل ربط نعمة سعر الخبز بسعر القمح عالميا وبسعر صرف الدولار، أي أنّ السعر لن يستقر على هذه الزيادة.

أسعار المحروقات بدورها ترتفع أسبوعيًّا بين 500 و800 ليرة، وفي مقارنة بسيطة لسعر صفيحة البنزين منذ ثلاثة أشهر إلى اليوم، يظهر أنّها ارتفعت من 24 ألف ليرة إلى 30 ألفاً، أي بزيادة 6000 ليرة، بما لا يتناسب مع حجم ارتفاع أسعار النفط عالميًّا، علمًا أن انخفاض سعر برميل النفط لم ينعكس انخفاضًا في السعر المحلي، بدليل أنّ تدهور سعر البرميل إلى حدود 37 دولار في تشرين الأول الماضي، لم يقابله انخفاض في سعر صفيحة البنزين في لبنان.

الوزير “النقمة” ومعه أهل الحلّ والربط يزجّون بالأمن الغذائي في بورصة السوق السوداء، ويمارسون لعبةً خطيرة، تقضي برفعٍ تدريجي لأسعار ثلاثية السلع الحيوية، الطحين والمحروقات والدواء، وبذلك يتمّ تمرير القرار المتخذ ضمنيًّا برفع الدعم، ولكن على مراحل ومن دون شوشرة، كي لا يُحدث خضّة على المستوى الشعبي.

“ما يحدث هو عملية تملّص صامت من كلّ الإلتزامات، ورفع مسؤوليّة الدولة عن الشعب” بنظر الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور بيار الخوري “فهم لا يتحمّلون تداعيات رفع الدعم بالمطلق لأنّه سيفجّر الشارع، لذا يعمدون إلى تنفيذ قرارهم برفع الدعم بطرق أخرى كما هو حاصل اليوم في الخبز والمحروقات، وفي الدواء أيضًا، بحيث لم يعلنوا رفع الدعم عنه ولكن فعليًّا لا دواء، والدولار الطالبي بدوره لم يصل إلى الطلاب. إذن الإتجاه لتنفيذ رفع الدعم، ولكن الخطورة تكمن برفعه من دون خطّة إصلاح هيكلي”.

بمقابل رفع سعر المحروقات والخبز يسأل الخوري في حديث لـ “لبنان 24” ما مصير المنصّة، وهل سيبقون على دعمهم للتجار بإتاحة الدولار لهم على سعر 3900؟ عندها لماذا المسّ بسعر الرغيف؟ بأي حال سياسة الدعم بالطريقة التي اعتُمدت خاطئة وغير مجدية، بحيث استُنزف احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، وعمليًّا دُعمت السلع الأساسية من ما تبقى من أموال المودعين، في حين أنّ التجار هم الذين استفادوا في عمليات التهريب “من هنا اقترحت منذ البداية وقبل أشهر، الخروج من نظام الدعم الحالي، ولكن ليس من خلال التفلّت وتخلّي الدولة عن مسؤولياتها، خصوصًا تجاه الفئات الأكثر عرضة، بل من خلال خطّة وطنية متكاملة للحماية الإجتماعية، من ضمنها إعتماد بطاقة ذكيّة قائمة على التموين بالبضائع وليس بالمال، وفق حاجة العائلات، وبما يدعم الصناعة المحلّية ويمنع تسريب الدعم. لو تمّ اعتماد تلك البطاقة لما احتاجت الحكومة لمساعدة البنك الدولي”.
آراء نيابية إلتقت وآراء الإقتصاديين بضرورة استبدال سياسة الدعم المعتمدة بأخرى هادفة، فكان هناك أكثر من اقتراح قانون بترشيد الدعم لحماية الفقراء وليس كلّ الطبقات، أبرزه قّدم من كتلتي الجمهورية القوية واللقاء الديمقراطي واقتراح من النائب عاصم عراجي لترشيد دعم الدواء، ولكن تمّ تجاهل الاقتراحات جميعها واستمروا بالسياسة الخاطئة نفسها.
البنزين 50 ألف ليرة!
قرار خفض الدعم بات حتميًّا، والكارثة الكبرى ستحلّفي سعر صفيحة البنزين، بحيث أنّ خفض الدعم من 85 % كما هو حاليًّا إلى 60%، سيجبر الشركات المستوردة على تأمين القيمة المتبقّية أي 40% من السوق الموازية، مما سيؤدي إلى رفع سعر الصفيحة إلى خمسين ألف ليرة، وربما أكثر في حال ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس ارتفاعاً في أسعار مجمل المنتجات الغذائية والاستهلاكية.
رغم الأرقام والوقائع التي تثبت رفع الدعم تدريجيًا، يطيب لوزير الإقتصاد أن يغرّد واضعًا الحديث عن رفع الدعم عن جميع المواد الغذائيّة في إطار الشائعات، ومعاليه يهمّه التوضيح “أن هذا الخبر عار عن الصحة وهدفه المس بالأمن الإجتماعي في البلد” لا بل سيتابع الأمر بنفسه “قضائيًّا لمعرفة هوية مطلقي الشائعات واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقّهم”. أمّا هوية مهرّبي الدواء والغذاء والمحروقات إلى الخارج فلا حاجة لكشفها، ولا تمسّ بالأمن الإجتماعي.

بالعودة إلى التصاريح السابقة نلفت معاليه، إلى أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أول من تحدّث عن رفع الدعم، وبموجب الرسالة التي وجّهها الى رئاسة الحكومة في نهاية آب الماضي، ذكر أنّ الإحتياطي القابل للاستعمال، يقتصر على ملياري دولار، يكفي لنهاية العام 2020 فقط، وأنّه لن يمسّ بالإحتياطي الإلزامي، قبل أن يفاجأنا الحاكم نفسه قبل نهاية العام بأيام بتصريح لقناة الحرّة قال فيه “لدينا أكثر من ملياري دولار يمكن استعمالها”. وفي هذا السياق يسأل الخوري من أين أتى بالملياري دولار؟ وهل انتقلنا من الهندسات المالية إلى هندسة الإحتياط الإلزامي؟ وما هو حجم الإحتياطي الحر في محفظة المركزي؟

الإستمرار بالدعم وفق الخوري يكون باعتماد خيار من ثلاثة، حلّ سياسي يستجلب دعمًا دوليّا، أو من خلال التضخم وطبع العملة، أو بمدّ اليد على أموال المودعين المتبقّية، ويبدو أنّهم اختاروا الخيار الثالث.

البنك الدولي توقع أن يصبح أكثر من نصف سكانلبنان فقراء بحلول 2021، ها هم جهابذة الحكم يحقّقون توقعاته في الأسابيع الأولى من العام الجديد.