المصدر : جريدة الأخبار
حصر “الإقفال” التام في مواجهة انتشار جائحة كورونا بإلزام الناس بالبقاء في بيوتهم لم يثبت نجاحه، في استمرار غياب المعالجات الجذرية على مستوى الحكومة ووزارة الصحة والقطاع الاستشفائي الخاص
صدرت منذ أيام دراسة طبية في كندا، تتحدث عن نجاح تجربة استخدام دواء colchicine للتخفيف من أعراض كورونا ووقف انتشاره. بعد ساعات من انتشار الخبر، كانت صيدليات لبنان قد فرغت من الدواء الذي يبلغ ثمنه 6 آلاف ليرة، وهو مخصّص لحالات مرضية محددة. الخبر ليس في وقف الوكيل مدّ الصيدليات به فحسب، بل في السبب الذي جعل اللبنانيين يهرعون الى شرائه مع أدوية أخرى أصبحت شائعة بضرورتها للعلاج، وأجهزة التنفس المنزلية التي ارتفع سعرها الى ما يقارب ألفي دولار.
الجواب ببساطة لأنه بعد نحو سنة على انتشار الوباء لا تزال الثقة بإدارة السلطة السياسية والصحية للأزمة مفقودة؛ إذ لم تنته بعد مهلة الثامن من شباط التي أعطاها المجلس الاعلى للدفاع للإقفال العام، حتى بدأ الحديث عن احتمال تمديد المهلة أسبوعين إضافيين، للحدّ من انتشار الوباء، ما يعني أن لبنان سيعود بعد سنة تقريباً على أول إقفال حين كانت الاصابات لا تزال تعد بالعشرات (ارتفاع عدد الاصابات الى 103 شكل دافعاً أساسياً إلى الإقفال في آذار عام 2020)، لا بالمئات والألوف، وحين كان لبنان غير مجهز بالفحوصات وبأجهزة التنفس والكمامات والأدوية، مثله مثل معظم الدول، ولا كان يتقن بروتوكولات العلاجات تمثلاً بما يجري في القطاع الصحي الغربي. حينها طبّق الناس كل تعليمات الحكومة، غنّوا للحجر، والتزموا منازلهم بهدوء، على أمل أن تنفذ الحكومة والسلطة تعهداتهما. لكن الناس الذين يخالفون يومياً تعليمات الحجر اليوم، وبعضهم استهتر كثيراً في السهر والحفلات وعدم ارتداء الكمامات، هم أنفسهم الذين أصيبوا بأموالهم وبسرقة المصارف لهم وبعدم تنفيذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعهدات تعليم أولادهم خارج لبنان، وأصيبوا بمعيشتهم وبانفجار المرفأ، من دون أن تعمد السلطة السياسية الى تنفيذ أي من وعودها «الطبية» خلال سنة، تماماً كما معالجة الانهيار الاقتصادي والمالي.
يقول أحد السياسيين إن قرار السلطة الإقفال العام، هو فقط كي تثبت لنفسها أنها لا تزال على قيد الحياة وقادرة على التحكم في يوميات الناس بعدما عجزت عن التحكم في إدارة ملف كورونا. وهذا يعني أن المسؤولية عن الفشل لا تزال هي نفسها منذ سنة، وهو فشل يبدأ من رأس الهرم التنفيذي على مستوى الحكومة أو المجلس الأعلى للدفاع ووزارة الصحة، وصولاً الى القطاع الاستشفائي الخاص، وهو شريك أساسي في هذا الفشل.
تواجه دول أوروبية تحديات الإقفال التام مجدداً. بريطانيا لن تفتح أبوابها قبل عيد الفصح، فرنسا تواجه إقفالاً ثالثاً، ألمانيا تدرس حملة التلقيح مع إجراءات الإقفال، وسط حملات شعبية متجددة رافضة. لكن هذه الدول التي تنتج لقاحات أو تشتريها، توازن إجراءات الإقفال مع تعويضات شهرية للمتضررين منه وبإغراءات مالية لإجراء فحوصات مخبرية، وغيرها من التدابير اليومية. أما في لبنان فلا تزال المسؤوليات ضائعة بين القطاعين الرسمي والخاص. القطاع الصحي الحكومي الذي صرف عليه ملايين الدولارات لا يزال غير جاهز منذ سنة، وكل شهر تعود بيانات وزارة الصحة وتصريحات الوزير المختص نفسها عن تجهيز الأسرّة وتأمين المستلزمات، فيما هناك سياسيون مستمرون في اتهام الوزير بأنه يتعمّد عدم تجهيز مستشفيات حكومية على حساب أخرى. لم تخرج السلطة السياسية بأركانها لتقول صراحة أين الأخطاء في عدم مواكبة عدد من المستشفيات الحكومية للوباء، وهل مصرف لبنان هو المسؤول عن عدم تأمين الأموال اللازمة لشراء معدات طبية أم لا؟ ورغم كل ما كتب عن قضية المستشفى الميداني القطري والروسي، لم نسمع بعد توضيحات رسمية من الجهات المختصة أو من القوى السياسية المسؤولة عمّا جرى. هناك أسئلة كثيرة لا تجد أجوبة عنها من السلطة التي تعمد الى تحميل الناس فقط مسؤولية الإخلال بالإقفال وتحميلهم مسؤولية انتشار الوباء، وهي نفسها التي اتخذت قرار الفتح العشوائي في مرحلة الأعياد. وهذه العشوائية في مواجهة المرض ستنسحب حكماً على ملف اللقاح، بعدما بدأت المساومات والوساطات، وبدأ اختيار المراكز يخضع لأمزجة وحسابات سياسية ومناطقية.
القطاع الاستشفائي والقطاع المصرفي الخاص يتشابهان في تعاملهما مع الزبون، مريضاً أو مودعاً
في المقابل، هناك مسؤولية القطاع الطبي الخاص. فالقطاع الاستشفائي والقطاع المصرفي الخاص يتشابهان في تعاملهما مع الزبون، مريضاً أو مودعاً. كلاهما أظهرا خلال سنة أنهما قادران على التحكم في الناس، وهما بقدر مسؤوليتهما عن ازدهار لبنان اقتصادياً وصحياً وتحويله ساحة لجذب الأموال وللسياحة الاستشفائية، مسؤولان عمّا يرتكب في حق الناس يومياً. لافت كان حجم التعاطف مع المستشفيات الخاصة التي تضرّرت في انفجار المرفأ، والاهتمام الإعلامي والسياسي والمساعدات. لكن ما أظهرته شجاعة الأطباء والممرضين والممرضات في إنقاذ أرواح الناس في الشارع، وفي أكثر من منطقة خارج بيروت نُقل اليها الجرحى، لا تشبه ما يحصل اليوم مع إدارات عدد من المستشفيات الخاصة. في مقابل مستشفيات، ولا سيما خارج بيروت، أثبتت فاعليتها ونجاحها، هناك معلومات من أجهزة طبية موثوقة تتحدث عن أسرّة جاهزة في مستشفيات تسمّى عريقة، مخصّصة لكورونا، ولكن لا يعلن عنها، وليس صحيحاً أن كلّ الأسرّة فيها قد امتلأت. لا بل ان هناك أسرّة محجوزة لميسورين وسياسيين ومصرفيين أو لوساطات يقوم بها نافذون، وهناك أسرّة جاهزة لكل من يدفع تعرفة تراوح بين عشرين وثلاثين مليون ليرة، من دون المرور بالجهات الضامنة وبالتعرفات الرسمية، وهذا يعني أن البقاء لم يعد للأقوى في هذه المعركة، بل للأغنى. وهناك أجهزة تنفس خاصة بالمستشفيات قادرة على تلبية الاحتياجات، وأحياناً تفوق الحاجة، ولا سيما بعدما عمدت جمعيات ومؤسسات خاصة في لبنان والخارج ومغتربون إلى مدّ المستشفيات بها.
ليس بالإقفال وحده يعالج انتشار المرض. والعشوائية المستمرة منذ سنة بين القطاعين العام والخاص قد تبقي البلد متخبّطاً في الدوامة ذاتها سنة أخرى.