#سيّدي #سماحة #العشق! نرجوك، لا نريدُ أن نجوع! د. محمّد حمّود.


سيّدي! منذ سنين عشْنا الجوع والفقر وأكلنا ما كان وطاب من طعام ولم يَقتل منّا الجوعُ طفلًا! فلماذا نجوع الآن؟ سيّدي! في الماضي أخذ العثملّي جدّي الأوّل إلى مشرق الأرض ومغربها كي يُقاتل مُرغمًا، ولم يعدْ! وأكل والدي من حصى الأرض ما تبقّى من قمح التّراب، والشعير المسلوب! وجدّتي كانت تُخفي الرّغيف كي لا يأكلُهُ العسكر، وجدّي الثاني قتله الفرنسي، وأحرقوا كوخه الخشبيّ والسّهل الذي عشّبه عشبة عشبة! جاعوا! فلماذا نجوع؟
سيّدي! منذ سنين اغتَصَب المحتلّ أرضنا وأحرق سنابل قمحنا، وماتَتْ شجرات الليمون والزيتون في بساتيننا، وجفّت ينابيع ودياننا قهرًا! ولم نمُتْ جوعًا، وبعدها! استرْجَعْتَ لنا الأرض والحقل والبيدر والنّهر والبحر والجبل والكروم والعيون! أكلْنا، وعصرْنا، ورويْنا، وارتويْنا، وشربْنا،،،فلماذا الآن نجوع؟
سيّدي! كان« العتّال الأبيّ» منّا يأكلُ ولا يشبع!! و«الخادمة العظيمة» منّا تحمل في كلّ يوم إلى بيتها في الحوش القديم بعض ما تبقّى من فتات الأغنياء بدل خدمة يوم طويل! وكان صوت الرجال يُبحّ وهم يصرخون بين أحياء بيروت صرخة «الشيّال » لكي يحصلوا على ليرة حجريّة يهرعون بعدها لشراء الخبز والملح، كي لا يجوع الأطفال! فلماذا نجوع الآن؟ سيّدي! عشْنا معك رغَدَ العيش بما نستطيع وتستطيع! عُدْنا إلى المدن والقرى، شيّدنا البيوت والقصور، والمطاعم والملاعب والمدارس والأسواق الجميلة، كان الخير يُسابقُنا وكنّا فقراء أغنياء بك، لم نشعر منذ ذلك الحين بالجوع! وما مات بيننا جائع لقمة عيش!
سيّدي! مُذْ أعَدْتَ لنا الأرض والكرامة نحن نُحارَب؟ مُذْ رفَعَ رجالُكَ رؤوسَنا بين العرب ونحن نُحارَب؟ مُذْ ألقيْنا الحبالَ والسّلالَ، وأعدْنا إلى كرومِنا المسلوبة وبيادرنا اليابسة وهج مجارفنا ونحن نُحارب؟ فلماذا نُحارَب ونجوع؟
سيّدي! قالوا لنا: يوم نُلقي البنادق ونرمي البيارق! سنشبع! ولن يدخل إلى بيوتنا الوجع! قالوا: يوم نستسلم لإسرائيل ونعود إلى حاضنة ذلّ العرب، سنشبع، سنترقى في المناصب، والوظائف والمراتب، والمكاتب! وسنُصبح أيقونة السّلام والكلام بين الشاشات والأمم، وسيرضى عنّا راعي البقر وبعض الغنم! قالوا لنا: دعوا الشام، والعراق، واليمن، وستشبعون! قالوا: وإلّا ستجوعون، وستقهرون!
لا يا سيّدي! أطعَمْتَنا قمحَ العزّة ولو طلبْتَ منّا استبداله بالحصى، لفعلنا! شيّدنا بك منازلنا على السفوح الشامخة! لو أردتها ركامًا، لفَعَلْنا! لو طوينا المراكز، وخسرنا الرواتب، وشحّ المال، وساءَ الحال، وصرخ الطفل بالآه جوعًا، كرمى عيونك، لفَعَلْنا!
سيّدي! ليس منّا من يبيع الكرامة بالطحين! أنتَ علّمتنا!
ليس منّا مَن يمشي في الرّخاء ويخوننا في الشّقاء! أنت علّمتنا!
ليس منّا باحث عن متاع حياة، يعيش الرّغد معك باسمًا، ويتركك في العناء ساخطًا! ليس منّا!
ليس منّا من أحبّنا على شبع، وباعنا على مفرق جوع قادم!
لا سيّدي! ليس منك مَن يُتاجر بالدماء ليشتري السعادة المؤقتة!
سيّدي! لن يبيع أبناؤك وجع البطون والجيوب بنقطة من بذل ماء وجهك! لا نريد أن نجوع مجدّدًا فيقتلنا القريب والغريب، ويذلّنا الجلّاد والبعيد! فلقمة العيش تُريح الجسد، ونعمة الكرامة تحيي الحياة!
نرجوك سيّدي! لا نريد أن نجوع إلّا معك! فرحْنا معك وانتصرنا معك، ونشبع معك! جوع البطون معك، أشرف من شبع مهانة العرب! وسننتصر معك!#سيّدي!
الدكتور محمّد أحمد حمّود.