المصدر : نوال نصر – نداء الوطن
نرى “الأرض” تهتزّ تحت أقدامنا والأجواء ملبّدة والفيروس الشرس يضرب “يميناً ويساراً” والمصارف أكلت “الأخضر واليابس” والسياسة “في الأرض” وحتى الطقس “غريب عجيب”… فعيد الميلاد مرّ علينا “نص كمّ” وكوانين 25 درجة والناس تسللوا في عزّ الشتاء الى البحر. لكن مساء اليوم ستتبدل كل معادلة الطقس و”تتشقلب فوقاني تحتاني” وتنزل حبات البَرَد بحجم طابة كرة الطاولة وتتكوّن السيول ويهطل المطر شلالات في لبنان، في الأيام الستة التالية بنسبة: 320 ميليمتراً. مستعدون؟ الليلة ستكون فاصلة ما بين الجفاف والشتاء القارس… فماذا في كلِ التفاصيل؟
قسّم أجدادنا الشتاء الى مرحلتين: أربعينية الشتاء وتبدأ في 22 كانون الأول وتنتهي في 31 كانون الثاني. وخمسينية الشتاء وتبدأ في 31 كانون الثاني وتنتهي في 21 آذار. وهذه الخمسينية تُقسم الى أربعة أقسام تبدأ كلها باسم سعد: سعد ذبح. سعد بلع. سعد السعود. سعد الخبايا. ومدة كل سعد 12 يوماً ونصف اليوم. وفي التفاصيل “أن “سعد ذبح” الذي يبدأ في 31 كانون الثاني يترافق مع البرد الشديد ومثل شعبي يقول “سعد ذبح كلبو ما نبح وفلاحو ما فلح وراعيه ما سرح”.
أما “سعد بلع” فيبدأ في 12 شباط حين تبلع الأرض الماء وتفيض الأنهار وتمتلئ الآبار بحسب المثل التالي “سعد بلع بتنزل النقطة وبتنبلع”. وحين يحل “سعد السعود” في 25 شباط يبدأ الدفء بالتسلل “وبيدفى كل مبرود”. أما مع وصول “سعد الخبايا” في 9 آذار فتبدأ الزهور بالتفتح والحشرات تسرح ويحلّ الربيع ويقول المثل “بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتّل الصبايا”. هذه هي “خبرية” الأجداد الذين ما زالوا يتناقلونها في عصر تغيرت فيه كل الطبيعة والطبائع. وسعد ذاك أصبح بديلاً عنه سعد آخر. والشتاء أصبح يبدأ في الربيع. والصيف أصبح جهنماً. والمسنون باتوا يخافون من كل الأشهر لا من شباط وحده.
بعيداً من زمان وحكايات وقصص ومستقرضات و”جمرات”. فلنسأل عما ينتظرنا من طقس إبتداء من الليلة في 13 كانون الثاني؟
الأب إيلي خنيصر، الإختصاصي في أحوال الطقس، حذر من عاصفة آتية وحبات برَد تتراوح بين سنتمترين وخمسة ومن سيول ورياح شديدة بدءاً من مساء اليوم. وهذا التحذير أصاب الناس بالخوف الشديد. فهل نحن متجهون الى عاصفة هوجاء قاسية جداً؟ يجيبنا: “لا، لا يفترض أن يخاف الناس بل عليهم أن يحتاطوا كي لا يتكرر معهم ما حصل منذ أكثر من شهر، وحذرتُ منه، ونتج عنه سقوط حبات برد بحجم ثلاثة سنتمترات في قلب بيروت”.
نريد أن نعرف أكثر، ماذا ينتظرنا بدءاً من الليلة؟ يجيب خنيصر: “الحرارة ارتفعت جداً في اليومين الماضيين ووصلت الى 27 درجة، وحين يصطدم الهواء الساخن مع منخفض بارد تتشكل حبات البَرَد ونتوقع أن تكون هذه المرة حتى أكبر مما شهدناه قبل شهر” ويستطرد بالقول “كلما كانت درجة الحرارة عالية كلما كبر حجم حبة البرد حين يصل المنخفض البارد. ونحن نحذر من جديد الناس: انتبهوا الليلة كي لا تصابوا وسياراتكم بأذى”.
الشتاء آتٍ وإن تأخر لكن، هل هذا إيذان بأن الربيع سيتأخر؟ يجيب خنيصر: “قبل خمسة أو ستة أعوام حصل ما يحصل اليوم وكثرت يومها أيضاً السيناريوات، لكن لم يمنع حينها أن تعوّض الأشهر المقبلة ما خسرناه في كانون الأول من هطولات للأمطار. كان يفترض أن تكون الكمية اليوم 450 ميليمتراً مقارنة بالعام الماضي، لكن، بحسب توقعاتي فإن العاصفة التي تصل اليوم قد تعوّض كل الخسارة، وقد نتخطى المعدل العادي، وأتوقع أن تصل كمية المتساقطات بين الليلة، الأربعاء، والثلاثاء المقبل، نسبة 320 ميليمتراً. وهذه الهطولات الغزيرة قد تتسبب بفيضانات وسيول”.
ما ينذر به الأب إيلي خنيصر يستبعده آخرون. فهل هناك عدة قرارات لأحوال الطقس؟ يجيب: هؤلاء لا يعرفون القراءة وهناك محطات فاصلة في ترصد أحوال الطقس “يروحوا يتعلموا قبل ما يحكوا”.
تعلمنا في دروس الجغرافيا أن أجمل طقس في العالم هو طقس لبنان. وصدقنا. لكن، أموراً كثيرة تتغير. فهل السبب الإحتباس الحراري؟ وماذا عن تأثير هذا التغيير على القوارض والحشرات والطبيعة؟ هل سنرى “البزاق” مثلاً يعود ليطل مجدداً في كانون الثاني بعدما أطلّ في تشرين؟
رئيس الجمعية اللبنانية لدراسة الأحفوريات والتطور، الخبير في علم الحشرات، البروفسور داني عازار يتحدث عن “تراند” في العالم يُردّ فيه كل الظواهر الطبيعية الى الإحتباس الحراري، علماً أنه ليس مسؤولاً وحده عن كل ما نراه ويــشرح “لو كان ما نراه اليوم سببه الإحتباس الحراري لما حصل فجأة بل بالتدريج، ولا يمكن أن يؤثر على لبنان دون كل العالم. فها هي الصين تعيش هذه السنة أكثر الأوقات صقيعاً منذ خمسين عاماً. وها هي أوروبا تواجه العواصف. حين نتحدث عن احتباس حراري يكون التأثير عالمياً”.
ويستطرد بالقول “الطبيعة تعالج نفسها بنفسِها، بدليل أن تدني انبعاثات المعامل في 2020 جعل ثقب الأوزون يلتئم. لكن ما نراه هنا، في لبنان، من تغيير سببه دورة الأرض ومدى انحناءة الكرة الأرضية عن النقطة القطبية وجاذبية الكواكب وسواها. هي عوامل متغيرة تؤثر على المناخ بحسب دوران الأرض. فإذا عدنا خمسة ملايين عام الى الوراء نكتشف أن مياه البحر الأبيض المتوسط قد جفت وهذا ما ادى لاحقاً الى تخمر النفايات وظهور البترول في البحر. وإذا عدنا 15 مليون عام الى الوراء نرى المتحجرات لتماسيح كانت موجودة في باريس، ومعلوم أن وجود التماسيح دليل على وجود حرارة عالية في زمن مضى. الأرض إذاً تتغير دائماً ونحن نمرّ حالياً بأكثر الأوقات برداً منذ تكونت الدنيا”.
نعود الى الأب خنيصر الذي يتحدث عن وصول العالم اليوم الى العصر الجليدي ويقول “العالم يتغير والتغير المناخي يفرض نفسه على الأرض، بدليل التغيرات الكبرى على مناطق متفرقة، حيث رأيناها تثلج في اليومين الماضيين في المملكة العربية السعودية”، ويستطرد قائلاً “سنرى فصل الشتاء أطول وفصل الصيف أقصر من دون أن يمنع هذا مرور موجات حارة”.
الدنيا “تخربطت” والربيع طغى في الشتاء فماذا عن تأثير كل هذا على عالم الحشرات؟ يجيب عازار “هناك بعض الحشرات التي تغزو أشجار الصنوبر وتؤدي الى يباس الشجر وجعل كوز الصنوبر فارغاً ويضرها الصقيع، تكاثرت خلال الأسابيع الماضية. وبالتالي بدلاً من أن تكون “نائمة” في هذا الفصل رأيناها قد استيقظت وبدأ تأثيرها السلبي على الصنوبر”.
خبير الحشرات يتخوف من أن تُفجّر الطبيعة منذ الليلة ما تحتقنه منذ فترة بسبب الجفاف “وترمي ثلجاتها دفعة واحدة، أول يومين، بطريقة عنيفة مع كثير من حبيبات البرد الكبيرة”.
نحن فيها أو على خطوة منها. الليلة تصل العاصفة الى لبنان (هذا إذا لم تُبدل رأيها في آخر دقيقة) والدعوات الى محاذرة ما قد ترتكبه “الموجة” الآتية، التي ستضرب السواحل اللبنانية والجبال الغربية، منذ ساعات المساء الأولى، كثيرة. سنرى الليلة ونحن ندخل في “حالة الطوارئ الصحية” ومنع التجول أمطاراً طوفانية وصواعق ستضيء السماء وسنشهد رياحاً عاتية قد تصل غداً، يوم الخميس، الى مئة كيلومتر في الساعة.
الليلة الليلة شو بدو يصير… نحن فيها. فالشتاء سينطلق من جديد وبقوة وستكون حبات البَرَد إذا أصابت رأساً قاتلة! اللهمّ ألّا تترك العاصفة الموعودة آثاراً مدمرة كثيرة يدفع ثمنها المواطنون الذين ينتظرون، في نكاتهم، قدوم “النيزك” فيأتيهم من حيث لا يدرون!