يودع “اللبنانيون” عام 2020 مجمعين على أنها واحدة من أسوأ السنوات التي مرت على البلاد، وهو إنطباع عالمي عن العام 2020 الذي شهد إنتشار جائحة كورونا وآثارها، ميزه في لبنان إنهيار اقتصادي ومالي شامل أدى إلى أزمات سياسية واجتماعية وأمنية خانقة، لتستتبع بإنفجار مرفأ بيروت الذي رفع معاناة اللبنانيين مع العام 2020 إلى القمة بين باقي الشعوب.
وينظر العالم إلى العام 2021 كفرصة خلاص مما شهدوه مع 2020 الذي بات يمثل رقماً منحوساً للكثيرين، يأمل اللبنانيون ذلك أيضاً، وعلى مشارف العام الجديد تنتشر التوقعات والتنبؤات التي يتابعها الجميع من على ألسن العرافين والمنجمين كعادة مكتسبة إجتماعيا وإعلامياً، أملاً بما يطمئن أو يبدل الواقع في العام المقبل، إلا أن العودة إلى المؤشرات والأرقام وتحليل اتجاهها، لا يحمل بنتائجه ما يرجوه اللبنانيون، بل يظهر أن 2021 قد تحمل للبنانيين ما هو أسوأ.
ويتوقع الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أن “ترتفع نسب المهاجرين من لبنان في عام 2021 إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، لكونها تعد اليوم رغبة عارمة لدى العدد الأكبر من اللبنانيين، لاسيما الفئات الشابة، لكن ظروف إقفال المطار وإغلاق دول العالم عام 2020 حدت من هذه الرغبة بالإضافة إلى حجز المصارف على أموال اللبنانيين والتي كان من الممكن أن تستثمر في الهجرة أيضاً، في حين أن كافة العوامل المؤدية إلى الهجرة من أزمة اقتصادية وإجتماعية وأمنية لا تزال واقعاً يتجه نحو الأسوأ في السنة المقبلة بحسب الوضع الحالي.”
وأشار شمس الدين، في حديثٍ لـ “الحرة”،إلى أنه “في عام 2018 كان عدد المهاجرين 33 ألفاً، تضاعف العدد عام 2019 ليصبح 66 ألفاً، في حين لم يتم التأكد من الرقم النهائي للمهاجرين عام 2020 لكنه يقارب الـ 25 ألفاً بحسب التقديرات، وهذا الإنخفاض سببه إغلاق البلاد الأوروبية والركود الاقتصادي العالمي وعدم توفر الوظائف في الخارج، ولكن بعد انتهاء جائحة كورونا والعودة التامة إلى العمل سنشهد إرتفاعاً كبيراً لهذه الأرقام في عام 2021”.
وبحسب “الدولية للمعلومات”، وبناءً على التقارير الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، سجلت المؤشرات الأمنيّة من حوادث سرقة السيارات والسرقة وجرائم القتل ارتفاعاً كبيراً خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019، سرقة السيارات ارتفعت بنسبة 120%، بينما بلغت نسبة إرتفاع حوادث السرقة 93.8%. كما سجلت جرائم القتل أيضاً إرتفاعاً كبيراً بلغت نسبته 100%.
وحول هذه الأرقام، يقول شمس الدين: إن “55 % من اللبنانيين باتوا فقراء، 25% تحت خط الفقر، يعني دخلهم لا يكفي لتوفير الغذاء الصحي والسليم، وهذه النسب متجهة صعوداً في عام 2021، هؤلاء قد يقدمون على أي شيء ليحصلوا على قوتهم اليومي ومعيشتهم، إضافة إلى نسبة البطالة المرتفعة وإغلاق المؤسسات، كل هذه العوامل مضاف إليها عنصر التسيب الأمني ستؤدي حتماً إلى مزيد من الارتفاع في العنف ومعدلات الجرائم والسرقة في عام 2021”.
وأضاف، “مقبلون في لبنان على سنة أكثر سوداوية من تلك التي مرت بحسب ما تشير الأرقام والإحصاءات، وهذه حتمية لا يغيرها إلا معجزات تبدل الواقع الحالي والمتوقع للسنة المقبلة على لبنان، خاصة أنه حتى المعالجات المتوقعة من أي حكومة مقبلة لن تؤتي بنتائج سريعة وفورية تبدل الحال القائم قبل عام 2022”.
من جهته، يرى رئيس شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم أن “الأمن في لبنان لا يزال ممسوكاً بسبب المجهود الكبير الذي تبذله الأجهزة الأمنية في لبنان رغم الظروف الدقيقة التي يعيشها، لكنه يؤكد وجود إرتباط بين الواقع الاقتصادي والمعيشي وبين ارتفاع نسب الارتكابات من جرائم وسرقات، دون أن يهدد ذلك الأمن العام للبلاد”.
وتوقّع مسلم، في حديثٍ لـ”الحرة”، بناءً على الأرقام والمؤشرات للواقع الاقتصادي والاجتماعي، أن “تزداد المعدلات عام 2021 ما لم يتبدل الواقع الحالي، لافتاً إلى أن النسبة الأكبر من الارتكابات تتم على يد أصحاب سوابق ومطلوبين، إضافة إلى مروجي ومتعاطي المخدرات ونسبتهم في لبنان إلى ارتفاع في سياق ارتفاع عالمي”.
وتراجعت حوادث الانتحار خلال عام 2020 مقارنة بالفترة ذاتها في عام 2019 بنسبة 18.8%، وفقاً لـ “الدولية للمعلومات” وهذا تفسره العضو المؤسس في جمعية “إمبريس” للصحة النفسية، ميا عطوي لـ “الحرة”، حيث أن هذا الإنخفاض مفهوم علمياً لكون نسب الإنتحار لا ترتفع عادة في ظل الكوارث والأحداث الكبيرة كالتي شهدها لبنان خاصة بعد انفجار المرفأ.
وفي لقاء جمع جمعية الأطباء اللبنانيين النفسانيين ونقابة الأطباء في بيت الطبيب، في 12 كانون الأول، جرى عرض دراسات عدة ترصد الصحة النفسية للبنانيين، من بينها دراسة للجامعة الاميركية اللبنانية عرضت في المؤتمر، تبيّن أن 16.17 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، يعانون من اكتئاب شديد منذ واقعة انفجار المرفأ.
وأضافت الدراسة أن 40.95 في المئة من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة ptsd، وهن الفئة الأكثر تأثراً بالانفجار نفسي، وفيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أوضحت الدراسة أن 59.5 في المئة ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة هم من الفئة الاكثر فقراً، ومنهم من تضرر بشكل مباشر من انفجار المرفأ.
ودراسة أخرى عرضت في اللقاء أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت عن الأثر النفسي الذي خلفه الحجر الصحي والتعليم عن بعد على الطلاب، تبيّن أن 42.3 في المائة منهم يعانون من اكتئاب وأنسومنيا (الأرق)، فيما 75.3 في المئة يعانون من التوتر الحاد.
هذه الدراسات تعززها نتائج سبق أن أعلن عنها نقيب الصيادلة غسان الأمين في تصريحات صحفية أشار فيها إلى ازدياد نسبة استهلاك مضادات الاكتئاب والمهدئات بنسبة 20% عما كانت عليه، وهو ما وصفه بالأمر “غير المألوف إذ أن الطلب على مضادات الاكتئاب، مثلاً، زاد بنسبة 9% هذه السنة عمّا كان عليه عام 2018، فيما ارتفع استهلاك المهدئات (كزاناكس، لكزوتانيل…) 12% في الفترة نفسها، وهذا يعني أن هذه الأدوية لم تعُد محصورة بالمرضى فقط، وإنّما تطال شريحة أوسع من الناس، حتى حلت بالدرجة الثانية بين الأدوية المهددة بالانقطاع التام في لبنان بعد أدوية السرطان.
وبمقارنة عام 2019 مع الذي سبق، فإن نسبة اللبنانيين الذين قالوا إنهم شعروا بالحزن تضاعف من 19% إلى 40%، وبالقلق (من 40% إلى 65%)، وبالغضب (من 23% إلى 43%)، وبالتوتر (من 46% إلى 61%)، وبالألم النفسي (من 23% إلى 31%)، واللافت أن 4% فقط من المشاركين منهم في الاستطلاع قالوا إن حياتهم تتحسن، وهي إحدى أكثر أقل النسب المسجلة في العالم.
يذكر أن هذه النتائج جاءت بناءً على استطلاعات رأي أجريت قبل إنتشار جائحة كورونا، وقبل الإنهيار المالي، وقبل إنفجار مرفأ بيروت، وبالتالي من المتوقع أن يسجل اللبنانيون أرقاماً قياسية في التقارير المقبلة عام 2021.