المصدر : جريدة الأخبار
50 دولاراً “لكل مواطن راشد” ونصفها لكل طفل، رأت وزارة الاقتصاد أنها ستكون كافية للانتقال من دعم السلع إلى الدعم النقدي. الحسبة تشير إلى أن الوفر سيكون هائلاً، وسيخفّض كلفة الدعم من 3 مليارات دولار سنوياً إلى 800 مليون دولار. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان سيتم السير بهذا الاقتراح أو سيتم الاكتفاء ببطاقات دعم خاصة بالمحروقات
بوصفها المعنية بمختلف أشكال الدعم، وبوصفها المعنية بتأثير ذلك على الاقتصاد، عمدت وزارة الاقتصاد إلى إعداد تصور شامل للمرحلة المقبلة، مسلّمة بأن مصرف لبنان لم يعد يملك الأموال الكافية لاستمرار الدعم.
في التمهيد للخطة، يرى وزير الاقتصاد راوول نعمة، في الورقة التي أعدّها وعرضت في اجتماعات السرايا الحكومية مطلع الأسبوع الجاري، أن الأغنياء هم أكثر من استفادوا من الدعم الذي بدأ منذ تشرين الأول 2019. حجته في ذلك أن 80 في المئة من هؤلاء يمتلكون سيارات، مقابل 24 في المئة فقط من الفقراء. وبالتالي، يذهب إلى الإشارة إلى أن 6 في المئة من الدعم المخصّص للوقود الذي يُستعمل في النقل يذهب إلى الفقراء، مقابل 55 في المئة يستفيد منه الأغنياء. وإضافة إلى هؤلاء، يستفيد الأجانب المقيمون في لبنان من الدعم («بمن فيهم الموظفون الكبار في المنظمات الدولية والسفارات»). وكذلك يستفيد اللاجئون السوريون والفلسطينيون، الذين يطالب نعمة ببرامج دعم لهم عبر المنظمات الدولية. كما لا ينسى الإشارة إلى أن جزءاً من المواد المدعومة يتم تهريبه.
للانتقال من دعم الأسعار إلى دعم الأسر، للوزارة توصية من مرحلتين. في المرحلة الأولى تقترح تخفيضاً لبرامج الدعم التي يُنفّذها المصرف المركزي حالياً، وهو ما سيجري قريباً. وفي المرحلة الثانية، التي تقدّر الوزارة أن عملية الانتقال إليها تحتاج إلى ما بين شهرين وثلاثة أشهر، يتم التخلّي عن مبدأ دعم السلع، للبدء بالدعم النقدي للأسر عبر برنامج موسّع للأمن الاجتماعي بالتعاون مع البنك الدولي.
تؤكد الوزارة أهمية الإسراع في الانتقال إلى المرحلة الثانية، انطلاقاً من أنه مهما جرى تخفيض الدعم في المرحلة الأولى، فإن الوفر في الدولارات التي يستعملها مصرف لبنان لن يكون كبيراً، وبالتالي فإن الأموال القابلة للاستعمال بحسب زعمه لن تكفي لأكثر من أسبوع إضافي. الحسبة تلك تشير إلى أن المصرف يستهلك 400 مليون دولار في الشهر، ومع تخفيض 100 مليون دولار، فإن المبلغ سيكفي لـ 34 يوماً بدلاً من ثلاثين.
لا ينسى نعمة أن يؤكد أن الأولوية في المرحلة الأولى هي لإقرار قانون الكابيتال كونترول، انطلاقاً من أن تأمين مصرف لبنان كميات أقل من الدولارات، سيعني تأمين المستوردين للمزيد منها من السوق السوداء، وبالتالي الضغط على سعر الصرف وزيادة في التضخم وزيادة الضعف في القدرة الشرائية. ولذلك يقترح مواجهة هذا المنحى من خلال دفع المستوردين إلى استعمال أموالهم الخاصة الموجودة في المصارف الخارجية لاستيراد السلع، وكذلك دفعهم إلى تحويل العملات الأجنبية إلى لبنان، طالما أنهم يستفيدون من الدعم.
بالتوازي، تقترح الوزارة البدء فوراً بترشيد الدعم، كالآتي:
ــــ تحديد الكمية المدعومة من القمح بـ 35 ألف طن شهرياً، تخصص للخبز العربي وبعض المنتجات الأساسية الأخرى مثل المناقيش (يقرّ وزير الاقتصاد ضمناً بأن الكمية التي كانت تدعم تذهب لجيوب أصحاب الأفران الذين يستفيدون منها لصناعة أنواع أخرى من الخبز).
ــــ حصر السلة الغذائية المدعومة بالسلع الأساسية التي يحتاج إليها المستهلك، ويستفيد منها بشكل فعلي. وبالتالي إيقاف كل الدعم الذي لا ينتج منه انخفاض في السعر يصل في الحد الأدنى إلى 40 في المئة.
ــــ إذا أرادت الحكومة أن تدعم أي قطاع، فيجب عليها أن تخصص ميزانية محددة لهذا الدعم.
ــــ السماح باستيراد السلع غير المدعومة، وخاصة تلك الأقل ثمناً من السلع المحلية المدعومة، مثل الدجاج، مع توقعات بأن يوازن السوق نفسه من دون تدخل من الحكومة.
ــــ دعم البنزين على سعر 3900 ليرة للصفيحة، بما يؤدي إلى وصول سعرها إلى ما يقارب 40 ألف ليرة، مع العمل على خفض الاستيراد بنحو 20 في المئة.
ــــ دعم المواد الأولية المستخدمة في الصناعة المحلية للأدوية بنسبة مئة في المئة.
ــــ التوقف عن دعم أي منتج مستورد له بديل مصنّع في لبنان أو له بديل (جينيريك) أرخص في العالم.
ــــ حث الأطباء على التوقف عن وصف الأدوية «البراند».
ــــ دفع الهيئات الضامنة تعويضات الأدوية بحسب السعر الأدنى المتوفر في السوق، وليس بحسب الثمن المدفوع.
كل ما سبق يُتوقع أن يؤدي إلى توفير 97 مليون دولار شهرياً، بحيث سينخفض الدعم من 4.456 مليارات دولار سنوياً إلى 3.297 مليارات سنوياً. ولأن هذا التخفيض لن يكون كافياً للحدّ من صرف «الاحتياطي الإلزامي»، فإن «الاقتصاد» تعيد التأكيد على أولوية الإسراع في الانتقال إلى المرحلة الثانية.
قبل البدء بتنفيذ المرحلة الثانية، يشير وزير الاقتصاد، في العرض المقدم في السرايا، إلى أن أفضل الحلول أن يكون قد تم التوصل إلى برنامج مع صندوق النقد. لكن إن لم يحصل ذلك، فإنه لا بديل من استمرار مصرف لبنان في تأمين الدولارات الطازجة حتى خلال المرحلة الثانية. ولذلك، فإن الأولوية عندها تكون للانتقال بسرعة إلى سعر الصرف الموحّد. والتوقف عن دعم سعر الصرف لكي لا يتم استعمال الاحتياطي الإلزامي. وهذا سيقود إلى زيادة كبيرة في الطلب على الدولار الطازج من السوق، ما سيؤدي إلى تضخّم كبير وتخفيض كبير في سعر العملة، وعدم استقرار اجتماعي.
في عملية الانتقال من دعم السلع إلى الدعم النقدي، فإن خطوات عديدة يفترض أن تجرى بحسب «الاقتصاد». في الخطوة الأولى (شباط 2021)، يحق لكل لبناني مقيم في لبنان التقدم للانضمام إلى برنامج الدعم النقدي. لكن مع استثناء الأغنياء، فإن النسبة الفعلية لمن سيحصل على بطاقات الدعم، ستُقارب 80 في المئة من اللبنانيين (لا من السكان). الخطة تفترض أنه مع تحسّن الاقتصاد واستعادة القوة الشرائية، يمكن أن تنخفض التغطية إلى 30 في المئة من السكان خلال خمس سنوات، بما يؤدي إلى إعادة توجيه الدعم إلى الفئة المعتادة من المستهدفين ببرامج الدعم.
بحسب التوقعات، فإن عدد المستفيدين من الدعم سينخفض من 6 ملايين شخص إلى 3 ملايين شخص. وستتمكن الأسر من شراء ما تحتاج إليه بالمبلغ المخصص لها، وبحرية تامة. وهذا سيؤدي إلى زيادة فعالية الاقتصاد، وتقليص معدّل الاستيراد، وتعزيز الاستهلاك المحلي.
عند إطلاق البطاقات، سيتم توقيف كل أشكال الدعم للسلع. وهو ما سيجعل الأسعار ترتفع بشكل ملحوظ لتعبّر عن الواقع الفعلي لسعر الدولار. وسينتج من ذلك «تخفيض الطلب على البضائع المستوردة وسيزيد المنافسة ويخفف التهريب».
الخطوة الثانية التي تقترحها الخطة تبدأ بالرفع التدريجي لدعم الفيول الخاص بكهرباء لبنان، بالتوازي مع تعديل أسعار الكهرباء، على أن يتم تعديل المبلغ المخصص للدعم النقدي عند الحاجة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الاقتراح يشير إلى حصول الشخص الراشد على 50 دولاراً شهرياً في السنة الأولى، على أن ينخفض المبلغ إلى 40 دولاراً في السنتين الثانية والثالثة، وإلى 30 دولاراً في السنتين الرابعة والخامسة. أما مَن هم تحت سن الـ 23 سنة، فيحصلون على نصف المبلغ. ويغطي هذا البرنامج 85 في المئة من اللبنانيين في الأشهر الستة الأولى، و75 في المئة في الأشهر الستة التي تلي، وصولاً إلى 30 في المئة في السنة الرابعة.
وفق هذه الخطة، ترى وزارة الاقتصاد أن الكلفة الإجمالية للدعم ستنخفض من نحو 3.2 مليارات دولار إلى 1.5 مليار دولار في السنة الأولى. وفي السنة الثانية ستنخفض إلى 964 مليون دولار، بتوفير يتخطّى 2.4 مليار دولار، وصولاً في السنة الخامسة إلى 311 مليون دولار فقط.
في الخلاصة، فإن البرنامج سيكلّف ما مجموعه 4.2 مليارات دولار، على مدى خمس سنوات، أي ما يعادل 838 مليون دولار سنوياً، وسيكون الوفر خلال السنوات الخمس للبرنامج 12.7 مليار دولار.
تلك الدراسة التي أعدّتها وزارة الاقتصاد لا تزال خاضعة للنقاش، على أن يحسم الأمر الأسبوع المقبل. لكنّ مطّلعين على النقاشات بدأوا يشيرون إلى صعوبة السير باقتراح البطاقة التمويلية، مفضّلين الاكتفاء ببطاقات لدعم المحروقات. وزير الطاقة يميل إلى هذا الخيار. وقد تردد أنه اقترح تخفيض الدعم على البنزين 95 أوكتان من 90 إلى 60 في المئة، بما يجعل سعر الصفيحة يقارب الـ 40 ألف ليرة، مقابل وقف الدعم عن البنزين 98 أوكتان، وبالتالي وقف استيراده، ورفع سعر صفيحة المازوت من 16 ألفاً إلى 23 ألف ليرة.
مع انخفاض الطلب المتوقع نتيجة ارتفاع السعر، ونتيجة استحداث بطاقات الدعم التي ستعتمد على البيانات المتوفرة في مصلحة تسجيل السيارات (عدد السيارات التي يملكها الشخص الواحد وعدد الأحصنة في كل سيارة…) لتحديد حجم الدعم لكل شخص، فإن الوفر الإجمالي المتوقع في المحروقات سيصل إلى 250 مليون دولار.